الفكر الإسلامي

واقع العالم الإسلامي .. عقبات وحلول

 

 

بقلم : الدكتور محمد عبد المنعم خفاجى

 

 

واقع العالم الإسلامي :

       إن من أبرز العقبات التي يواجهها العالم الإسلامي هو الواقع الذي يعيش فيه من تخلف واختلاف ، وان هذا الواقع جعل كثيرًا من الناس ، ومن بينهم عدد غير قليل من المسلمين لايعرفون الإسلام إلا بما تنعكس عليه آثار أتباعه .

       وهذا مؤسف ولكنه أمر واقع؛ لأن أثر الظاهر لمن يتمسك بالظواهر كبير، ولأن الإسلام كأي دعوة أخرى ، يجب أن تظهر تعاليمه حية في سلوك أتباعه وفي تصرفاتهم ، وفيما يظهرون به على العالم من أثر الدعوة فيهم .

       فهل يمكن أن نقول : إن المسلمين – في واقعهم هذا – يعكسون على العالم بأسره ما يشرح صدره للإسلام ويهديه إليه ؟ وأقول في واقع العالم الإسلامي وليس في الإسلام ذاته .

       إن الجواب عن هذا التساؤل لن يكون مرضيًا، فمن المسؤول عن هذه النتيجة غير المرضية ؟ أهو الإسلام أم المسلمون أنفسهم ؟

       إن الإسلام برئ من تقصير المسلمين ، ومما هم عليه من تخلف وضعف ، وان المسلمين يتحملون مسؤولية واقعهم هذا؛ لأن الإسلام لم يأمرهم إلا بخير، ولا يأمرهم إلا بمعالي الأمور وبالأخذ بأسبابها ، وينهاهم عن كل ما يوصمهم بالشين أو يوصلهم إلى هذا الجمود والتخلف .

       ولما كانت الدعوات لا تنهض إلا بتمثل الداعين لها والتزامها قولاً وعملاً ، فلايمكن أن يدعو الإنسان إلى ما في باطن الكتب من تعاليم خيرة مالم يكن هو ذاته مؤمنًا بها ومطبقًا لها على نفسه قبل كل شيء ، فيلمس الناس أثارها الصادقة في تصرفاته وتصرفات أتباعه المؤمنين معه بها وبذلك تعلن هذه التعاليم عن نفسها مؤيدة دعوة الداعي ومصدقة لها وله .

       إن التساؤل عن أسباب تخلف (معظم) بلاد العالم الإسلامي هو تقريبًا على كل لسان ، وبخاصة إذا جرى الحديث عن واقع هذا العالم ، وما تعيشه الدول المتقدمة في ميدان الحضارة المادية والموازنة بين ما توصّلوا إليه من سبق علمي وما نحن عليه من تخلف وجمود واختلاف وتناحر ..

       لأنك حيثما اتجهت في عالمنا المنكوب بواقعه وجدت التخلف – بجميع أحواله – مخيمًا على هذه الدول ، مع وجود بعض الفروق في الأخذ بأسباب الحياة تبعًا لغنى بعض هذه الدول من موجودات المواد الخام المختلفة ، ولكن هذه الدول على غناها فإنها دول مستهلكة للإنتاج الصناعي والغذائي المستورد من الدول المتقدمة .

       وإن أي عطل أو نقصان في هذا الإنتاج فإن الخبرة في إصلاحه أو التعويض عنه يعود إلى الخبراء أو الفنيين أو المصدرين من العالم المتقدم .. لقاء مبالغ ضخمة يتقاضونها عن توفير هذه الخدمات أو تصدير بعض المنتجات .

       وقد تسأل بعضهم عن المدة التي يحتاج إليها العالم الإسلامي لكي يسير على الخطأ التي ستؤدي به إلى طريق التقدم الصحيح ، والاستقلال الاقتصاي السليم ، وكأنه نسي أن العالم المتقدم لن يتوقف عن مسيره ؛ بل إنه على العكس يسير بخطوات سريعة في ميادين العلم والتصنيع حتى أصبح من غير المؤكد في واقعنا الحاضر أن اللحاق به أمر قريب المنال .

       وقد أجابهم أحدهم : أن المطلوب ليس اللحاق بهم ، وإنما المحافظة على النسبة التي بيننا وبينهم أن لاتتسع أكثر فأكثر لصالحهم ، لأن التخلف ضارب أطنابه بعوامله الهدامة .

       ولابد من ملاحظة هذه الظاهرة المؤلمة التي تتفاقم في بلدان العالم الإسلامي ، وهي هجرة كثير من المثقفين والعاملين إلى بلاد الغرب ، واستغلال هذه البلاد لهم – وهم في مرحلة العطاء والإنتاج – والعمل على إذابتهم وأسرهم في مجتمعاتهم على تراخي الزمن.

       وإنه لو قدر وعاد هؤلاء إلى بلادهم لاستفادت منهم استفادات كبيرة ، ولكانوا سببًا في رفع مستوى بلادهم المعاشي والاجتماعي ، والقفز ببلادهم إلى طريق التقدم خطوات واسعة ، ولتقاصرت النسبة بينهم وبين البلاد المتقدمة التي أحسنت استقبالهم ومعاملتهم .

       ولكن الواقع أن الهجرة في ازدياد ، وأن استقرار المهاجرين هناك أصبح هو الأصل ، وأن المل في عودتهم ضعيف جدًا؛ لأنهم ماهاجروا من بلادهم إلا تحت ظروف اضطرتهم إلى الهجرة ، وأن هذه الظروف لازالت قائمة ، ولايوجد ما يبشر بتغييرها لصالح عودة المهاجرين أو المهجرين أو بعضهم.

العقبات السياسية:

       إن تعدد دول العالم الإسلامي واختلاف النظم السائدة في معظمها ، والتبعية للأجنبي الذي له سلطانه القوي علىبعض هذه الدول ، وحالات التردي التي وصلت إليها بعض العلاقات الثنائية وعدم الرضوخ إلى صوت الحق للفصل فيما بينها عند تأزم العلاقات .. واستعداء بعضها على بعض والانفاق الكبير على التسلح واستعمال السلاح فيما بين بعض هذه الدول أحيانًا .. وعدم احترام المعاهدات الجماعية الثنائية والخروج عليها عند اعتقاد القدرة .

       هذه بعض العقبات التي أرى أنها تجعل من الصعب التوصل إلى عمل موحد تعود فائدته على الشعوب الإسلامية؛ لذلك فإنه قلّما يتمّ اجتماع قمة تتوصل فيه الدول الأعضاء إلى قرار واحد يلتزمون به جميعهم أو أن آثار اتفاقهم تظهر للوجود معبرة عن هذا الاتفاق .

       وإن الذي نحتاج إليه لتذليل هذه العقبات هو النضج السياسي الذي يسمو على هذه الخلافات واتقاء الله في كل تصرفاتنا ، والنظرة البعيدة الواعية المدركة لآثار الاختلاف فيما بين بعض هذه الدول، وأثار الصراع على حطام الدنيا ونزوات النفوس وأن ينصرف قادة الأمة إلى اتخاذ الخطوات التي تقرب بين شعوبهم وبخاصة التعاون المخلص في النواحي الاقتصادية التي لها مردود محسوس ونفع محقق كما لها مساس وتأثير على حياة الشعوب المتعاملة بعضها مع بعض بالتقريب فيما بينها بأهداف التعليم والتوجيه الإسلامي ورفع الحواجز والعوائق التي صنعها الاستعمار وعملاؤه وغرسها في بلادهم لتحقيق مصالحه بشكل مستمر.

       فالتعاون الاقتصادي يعود بالنفع المؤكد على مجموعة الشعوب ويعطى المثل على إمكانية التعاون في المجالات الأخرى .

       وقد يكون هذا التعاون منطقيًا أيضًا لتوحيد السياسات الداخلية بين الدول الأعضاء في كثير من الأمور التي تقرب وتؤدي في النتيجة إلى الوحدة اليساسية من الناحية الخارجية والإعلامية والعسكرية، وتقليص النفقات التي تبذلها كل دولة في سبيل فتح سفارات وقنصليات وملحقيات لها لدى الدول الأجنبية والإسلامية وما يستتبع ذلك من نفقات ضخمة حتى ولو كانت الدولة (دويلة) ذات مساحة صغيرة وقلة في عدد السكان فإنها واقعة تحت هذا التأثير في أن تبرز في علاقاتها الخارجية وكأنها دولة ذات إمكانات كبيرة .

العقبات الاقتصادية :

       إن معظم البلاد الإسلامية تعتبر في جملة الدول المتخلفة اقتصاديًا أو (الدول النامية) في المصطلح السائد في هذه الأيام ، وإن كان بعض هذه الدول تعتبر من الدول المنتجة للمواد الأولية لوفرة مواردها منها. إن هذه الدول لاتستفيد من إنتاجها مباشرة، ولابد لها من أسواق خارجية تصرف هذا الإنتاج فتعمد إلى بيعه للدول الصناعية التي تعقد معها معاهدات ثنائية لاستيراد إنتاجها منها واستعادة بعضه مصنعًا بأسعار باهظة .

       وهذا الواقع لمعظم دول العالم الإسلامي يجعل منها دولاً مغلوبة على أمرها وخاضعة لسلطان الدول المتقدمة تستغل خيراتهاكيف تشاء؛ لأنها تعمل متفرقة وليس لها رابطة تجمع بينها للدفاع عن مصالحها كما هو حال منظمة الدول المنتجة للبترول (الاوبيك) التي جمعتها مصلحتها المشتركة المادية في التعاون فيما بينها لرعاية مصالحها أمام الدول الراغبة في شراء البترول .

       وبما أن المواد الأولية في البلدان النامية هي التي كانت سببًا في تسلط الدول القوية عليها ، فإن هذه المواد تبقى أيضًا عاملاً كبيرًا في جلب المشكلات لهذه الدول؛ لأنها عاجزة عن حمايتها وعن استغلالها بنفسها كما يجب ، كما أنها إذا لم تؤمن لها الأسواق الخارجية بالشروط التي تريدها فستبقى هذه الموارد حبيسة في أراضيها مما يزيد في مشكلاتها .

       وهكذا يتضح لنا أن مشكلات البلاد المنتجة للمواد الأولية، هي من أهم المشكلات التي تجابه البلاد المختلفة، مالم تكن هذه البلاد المنتجة لهذه المواد قد جمعت أمرها ووحدت كلمتها في أن تقف صفًا واحدًا للدفاع عن كيانها وثرواتها من أن تكون موضع استغلال غير متكافئ .

       وإذا ما بقيت هذه الدول متفرقة فإنه يصعب عليها أن تتوصل إلى تحقيق تقدم اقتصادي ينمو على مدى الأزمان؛ لأن اليد الواحدة لاتصفق كما يقولون.

       غير أن التعاون المنظم الصادق فيما بين دول العالم الإسلامي يحل لها كثيرًا من هذه المشكلات ويحيلها من دول ضعيفة لتفرقها وتنازعها إلى كتلة قوية يحسب لها أكبر حساب .

       وهذا ما لاحظته الكتل الدولية الحديثة عندما بدأت بالتجمع والعمل المشترك في أكثر من ميدان.

       ومن هنا فإنه من المستحسن لأية دولة من دول العالم الإسلامي أن لاتقيد نفسها بارتباطات طويلة المدى ، لكي لايكون هذا الارتباط سببًا في عرقلة التعاون المشترك مع باقي الدول الإسلامية .

       ومن الملاحظ – ولأسباب مختلفة – فإنه يغلب على كثير من دول العالم الإسلامي أنها واقعة تحت ثقل الديون الأجنبية وفوائدها الباهظة لاعتمادها على تغطية نفقاتها من القروض الأجنبية وما تجره من كوارث .

       كما أن هناك عددًا من الدول الإسلامية تعجز عن استغلال خيراتها استغلالاً فنيًا؛ لأنها تفتقر إلى العنصر البشري المدرب والمهارات الفنية أو لقصور في التمويل على الرغم من وجود عدد آخر تتوافر لديه قيمة العملات المحلية لمعظم هذه الدول في مواجهة العملات الأجنبية ، أو أن بعض هذه الدول يخضع لأوامر وتوجيهات صندوق النقد الدولي بشكل قد يتصادم مع مصالح الدول المستقرضة .

       وأن تذليل هذه العقبات يتطلب المزيد من التعاون المخلص، وتحقيق مبدأ التكامل الاقتصادي فيما بين هذه الدول ، وذلك بالتنسيق فيما بينها لاستغلال إمكاناتها في مختلف مجالات الاستثمار، وذلك بامتصاص اليد العاملة المدربة ، والأموال الفائضة المجمدة والثروات الضائعة المعطلة .

       كما يتطلب أن تشارك الدول الإسلامية الغنية – مشاركة إنقاذ – بتشديد بعض ديون الدول الفقيرة دون فوائد ، لتخفف العبء عن كاهل هذه الدول ، وتساعدها في التغلب على مشكلاتها المالية، ولتقطع الطريق على من يريد استمرار استغلال حاجة هذه الشعوب في الاستزادة من هذه القروض الربوية .

       إن هذه العقبات ليست مستعصية على الحل فيما إذا وجدت النيات الصالحة والعزائم الصادقة، من أولياء أمور العالم الإسلامي، في أن يُخْلِصُوْا عملهم لله، ويجعلوا رائدهم قوله تعالى ﴿وَاعْتَصِمُوْا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعًا وَلاَ تَفَرَّقُوْا﴾ وقوله تعالى ﴿وَتَعَاوَنُوْا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوٰى وَلاَ تَعَاوَنُوْا عَلَى الإثـْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.

الحلول منظمة المؤتمر الإسلامي قاعدة الوحدة الإسلامية:

       سبق أن ذكرت بعض الحلول عند استعراض لأبرز العقبات التي تحول دون تحقيق الوحدة المنشودة بين دول العالم الإسلامي ، وأن هذه العقبات لا تستعصي على الحل فيما إذا تحققت النوايا المخلصة والعزائم الصادقة عند قادة شعوب الأمة الإسلامية في إزالة هذه العقبات كلها، أو التخفيف من آثارها على الأقل ، وأن يبدأ العمل ثنائيًا ثم يتوسع مع الدول المتجاورة والمتقاربة في الآمال وفي التطلعات إلى تحقيق التكامل الاقتصادي، ومن ثم العمل على إيجاد سوق إسلامية مشتركة توحد السياسات الاقتصادية وغير الاقتصادية بين دول هذه السوق لتنبثق عنها الوحدة المنشودة كما سبق لدول السوق الأوربية المشتركة أن حققت عن طريق تعاونها الاقتصادي التوصل إلى اتخاذ قرار جماعي بإنشاء اتحاد دولي أوربي .

       إذ لاتعدم الأمة الإسلامية في قياداتها عناصر مخلصة تتحسس آلامها وتعمل بحكمة وروية على جميع الكلمة وتقديم العلاج الناجح لتحسين أوضاعها مع استمرار التعاون الصادق فيما بينها .

       وإن سبق الدعوة إلى تضامن دول العالم الإسلامي أمر محمود العواقب – بإذن الله – وقد انبثق عنه من الناحية السياسية منظمة المؤتمر الإسلامي الّتي ستكون بإذن الله قاعدة للوحدة الإسلامية المرتقبة، كما انبثق عن هذه المنظمة من الناحية الاقتصادية البنك الإسلامي للتنمية الذي هو فاتحة خير للعمل المشترك في الحق الاقتصادي بشكل خاص. وهذا الحقل الذي نرجو أن يؤتى ثمارًا طيبة في قابل أيامه كما هو (أي البنك الإسلامي) في واقعه الذي تترجمه أعماله مؤهل لأن يكون انموذجًا رائدًا لكل عمل مشترك، فيما إذا صحت العزائم، وخلصت النيات وانه بأهدافه التي يسعى إلى تحقيقها بدأب وحكمة يمكن أن يرشح لوضع القواعد الأساسية لإمكان قيام سوق إسلامية مشتركة؛ لأنه أصبح ذا خبرة واسعة بأحوال دول العالم الإسلامي وبخاصة من الناحية الاقتصادية أو أن يتم ذلك بالاشتراك مع الجهات المختصة في منظمة المؤتمر الإسلامي وهي على سبيل المثال :

       1- مركز الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية والاحصائية والتدريب للدول الإسلامية الذي يتخذ له مركزًا دائمًا في أنقرة .

       2- الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة وتبادل السلع ومركزها في «كراتشي» .

       3- المركز الإسلامي لتنمية التجارة ومركزه في «الدار البيضاء» .

       4- المؤسسة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا ومركزها في «جدة» .

       5- المركز الإسلامي للتدريب الفني والمهني والبحوث في «داكا» .

       وإن الاتفاقية العامة للتعاون الاقتصادي والفني والتجاري بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي يمكن أن تتخذ أيضًا مرتكزًا ومنطلقًا لتحقيق قيام السوق الإسلامية المشتركة فقد جاء في مقدمتها مانصه :

       (إن حكومات الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي والموقعة على هذه الاتفاقية تمشيا مع أهداف منظمة المؤتمر الإسلامي التي ينص عليها ميثاق هذا المؤتمر، ومع قرارات مؤتمر القمة الإسلامي المنعقد في «لاهور»، وحرصًا على توفير أفضل الظروف الممكنة والشروط لتقدم الدول الأعضاء ونموها الاقتصادي ورفع مستوى معيشة شعوبها، ورغبة في توثيق الروابط بين الدول الأعضاء في مختلف الميادين بما يحقق مصالحها المشتركة، واقتناعًا بأن علاقات التعاون الاقتصادي والفني والتجاري بين الدول الأعضاء هي إحدى الوسائل الرئيسة التي يمكن من خلالها دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول الإسلامية – وسعيًا للاستفادة القصوى من الطاقات والإمكانات الاقتصادية والبشرية والفنية المتاحة في العالم الإسلامي وحشدها واستغلالها على أفضل وجه في إطار من التعاون الوثيق والمنظم بين الأعضاء لما فيه خير شعوبها ورخاؤها :

       وافقت على هذه الاتفاقية واتفقت على أن تبذل قصارى جهودها لوضعها موضع التنفيذ في إطار علاقات التعاون الاقتصادي والفني فيما بينها لتحقيق أهدافها سواء على مستوى العمل المشترك لها جميعًا أو على مستوى النشاطات الأخرى الثنائية والمتعددة الأطراف).

       إن هذه الاتفاقية بما تضمنته من التزامات في الحقل الاقتصادي والتجاري والفني كفيلة بأن تكون المرتكز الأساسي لقيام سوق إسلامية مشتركة بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي مع إيجاد مجلس اقتصادي أعلى يتولى الإشراف على تنسيق التعاون في المجالات المتعددة التي تقوم عليها السوق تحتضنه منظمة المؤتمر الإسلامي وتزوده بالصلاحيات التي عن طريقها يحقق أهدافه .

الإعداد لقيام سوق إسلامية مشتركة :

       إن اتساع رقعة العالم الإسلامي واختلاف موارده ومتسوياته الاجتماعية والاقتصادية ويتطلب من المختصين أن يقوموا بدراسات علمية جادة تكشف عن :

       1- إمكانات كل دولة من دول العالم الإسلامي من الناحية الاقتصادية لمعرفة مواردها الطبيعية وأسلوب استغلالها وماتحتاج إليه من موارد غير متوافرة في أراضيها والطاقة البشرية لديها ومدى قدراتها وتأهيلها التقني وإسهامها في برامج التنمية .

       والتعرف على المستوى الاقتصادي الفعلي ومالديها من أنشطة اقتصادية تختص بها وماتستطيع الإسهام به عند قيام السوق الإسلامية المشتركة .

       2- النواحي التي يمكن أن توجه إليها كل دولة حسب قدراتها، ومواردها، وخبراتها لتختص بها، أو أن تتعاون مع غيرها فيها ليتحقق عن طريق هذا التخصص التكامل الاقتصادي وبخاصة توفير أسباب الأمن الغذائي لمجموع مواطني دول السوق والرخاء النسبي .

       3- احتمال ظهور عقبات أو مقاطعات اقتصادية وبخاصة لدى بعض الدول ذات العلاقة والارتباطات الثنائية مع دول غير إسلامية وكيفية مواجهتها بصورة جماعية .

       4- الروابط الخاصة من جغرافية أو بشرية أو اقتصادية قائمة بين دول السوق المرتقبة وبخاصة بعض الاتفاقيات الثنائية بين بعض هذه الدول التي تشجّع على قيام التعاون الاقتصادي بمختلف أنشطته بينها لتقارب مستويات كل منهما وظروفهما الإنتاجية .

       وأنه عن طريق هذه الاتفاقيات الثنائية يمكن اتخاذها منطلقًا لتعاون واسع مع باقي الدول التي ترتبط معها برباط العقيدة والآمال المشتركة والمصير الواحد .

       5- عن اثار التعاون الاقتصادي بشكل خاص لدى دول التعاون الخليجي والعربي والمغربي وما تأمل أن تحققه في مستقبلها القريب والبعيد ، وإنها نواة لتعاون أكبر يتولد عنه قيام السوق المنشودة .

       6- عن واقع المصارف الإسلامية التي انتشرت في كثير من الدول الأعضاء وغيرها ، وعن انشطتها ومدى إسهامها في قيام السوق المشتركة.

       7- عن أسبقيات الأسواق المشتركة من عربية أو افريقية، أو أمريكية، أو أوربية ، وعما قدمته كل منها وأسباب تفوقها أو اخفاقها ، لتكون سابقة للسوق الإسلامية المرتقبة ، تقتبس منها ما يصلح وتتجنب منها ما يعرقل أويحول دون قيام هذه السوق . أي تأخذ من تجاربها ما قد ينتفع به .

       إن مثل هذه الدراسات تساعد على تقريب وجهات النظر المختلفة عند التعرض إلى بحث قيام سوق إسلامية مشتركة . وتؤيد جانب من الداعين إلى قيامها ، لأنها تكشف عن مدى واقع كل دولة ليست مرتبطة باتفاقية تعاون مع غيرها ، وعما تلاقيه من صعوبات في توفير حاجياتها وصعوبة الوفاء بالتزاماتها ، لتراكم القروض وفوائدها . كما هو واقع دول العالم الثالث في أيامنا هذه مع الدول الدائنة .

       وإن قبولها التعاون مع غيرها من الدول الإسلامية في قيام سوق إسلامية مشتركة سيحقق لها كثيرًا من الخير، وسيخفف عنها كثيرًا من التزامتها الجائرة مع غيرها ، وسيساعدها على رفع مستوى دخل أفرادها . ويستشكل من مجموع هذه الدول قوة متماسكة تقف بمواجهة الدول الأخرى المتسلطة ، وتحول دون استمرار تسلطها الاقتصادي وغير الاقتصادي ، كما هو معروف في عالمنا المعاصر .

       وقد لمست الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي المشتركة في (البنك الإسلامي للتنمية) المنافع المادية التي تحققت لمعظمها خلال فترة قيامه، ولاتزال . وأن هذا الاشتراك والتعاون في سوق إسلامية مشتركة سيزيد من مجالات الانتفاع المادي وغير المادي ؛ لأن الفرد المسلم قوى بأخيه . كما أن الدولة المسلمة قوية بأختها الواحدة ، فكيف بها إذا كانت منتظمة مع باقي الدول التي تشاركها الطموحات والآمال والآلام ؟.

التعاون المشترك :

       إذا نظرنا من الناحية الواقعية إلى مبدأ التعاون بين دول العالم الإسلامي فيما بينها لتأكد لنا أنه لاتوجد دولة من دول هذا العالم لاترتبط بمعاهدة أو اتفاقية اقتصادية أو ثقافية أو نقل أو غيرها مع دولة أخرى أو مع أكثر من دولة .

       وأن هذا التقارب الثنائي يمكن أن يكون مرتكزًا لاتفاقات أوسع ومع عدد أكبر من هذه الدول كما حصل مع دول الخليج العربية قبل عدة سنوات فتشكل منها (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) .

       وقد جاءت هذه الخطوة تعبيرًا عمليًا عما يربط بين دول المجلس من وشائج راسخة وامتدادًا لما هو قائم بينها من تعاون على كل صعيد .

       كما أعلنت دول المغرب العربي عن وجود اتفاقية تعاون مشتركة فيما بينها وهي: (المملكة المغربية والجزائر وموريتانيا وتونس وليبيا).

       ولم يكن الغرض من هذه الاتفاقيات مقصورًا على النواحي السياسية وإنما يشمل جوانب عدة غير أن الجانب الأهم الذي راعته هذه الاتفاقيات هو الجانب الاقتصادي؛ لأنه الحقل الأكثر استعدادًا وقابلية للتعاون وتقديم الثمرات العاجلة .

       وإن فرص النجاح أمام هذا التعاون ترجع إلى عوامل متعددة ومن أبرزها:

       - التشابه الكبير في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية .

       - التقارب في عوامل الندرة للمنتجات الصناعية والوفرة في المواد الطبيعية .

       - تشابه مشكلات وتحديات التنمية التي تواجهها كل دولة في الحاضر والمستقبل .

       - وحدة العقيدة واللغة والتماثل في القيم والتقاليد والتراث ، والتشابه في أساليب الحياة .

       - التفاعلات التاريخية المشتركة التي جعلت من مجتمعات كل منطقة ، وكأنها دولة واحدة .

       - اتصال معظم هذه الدول بعضها ببعض دون حواجز طبيعية ، وإمكان ربطها بطرق ومواصلات ووسائط نقل تصل فيما بينها على أيسر سبيل .

       ويهدف هذا التعاون (الاقتصادي) إلى:

       - تحرير حركة الموارد الاقتصادية بين الدول الأعضاء بإزالة كافة القيود على حركة الأشخاص والسلع ورؤوس الأموال .

       - توحيد التعرفة الجمركية الخارجية ، وإيجاد درجة من الحماية الجمركية المشتركة تجاه العالم الخارجي ، وإلغاء التعرفة الجمركية على موارد ومنتجات الدول الأعضاء .

       - تنسيق الخطط الانمائية والسياسات الاقتصادية والمالية والنقدية ، والتشريعات التجارية والصناعية والزراعية والخدمات . وتنسيق التعاون مع العالم الخارجي في هذه المجالات .

       - التعاون في مجال نقل وتوطين المعرفة والتقنية، وفي تنمية الموارد البشرية وإعدادها لتتحمل مسؤولياتها في مختلف جوانب العلم والعمل والإنتاج.

       - ربط ودعم التجهيزات الأساسية لشبكات المواصلات، والنقل، والاتصالات، ومصادر الطاقة، والمياه .

       - تحقيق (المواطنة الاقتصادية) بالوصول إلى حرية ممارسة النشاط الاقتصادي والتملك عن طريق التسوية في المعاملة بين المواطنين المحليين ومواطني الدول الأعضاء من أشخاص طبيعيين أو اعتباريين.

       - دعم دور القطاع الخاص في الدول الأعضاء ، في تحقيق التكامل الاقتصادي فيما بينها، والاهتمام بالمشروعات المحلية ذات الطابع المشترك.

       - تنسيق التعاون مع العالم الخارجي في مجال الاستطلاع وتقديم المعونات الفنية التقليدية للتنمية.

        وإن هذه الأهداف – وما يتفرع عنها – هي إحدى حلقات التكامل الاقتصادي لهذه الدول المتعاونة، كما أنها بمجموعها تشكل أيضًا حلقة كبرى في تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول العالم الإسلامي عندما يتشكل منها مجلس اقتصادي أعلى يتولى الإشراف والتنسيق بين فعاليات هذه الدول من الناحية الاقتصادية .

       وهذه التكتلات تدعمها اتحادات الغرف التجارية المحلية والعربية والإسلامية التي تعمل جميعها في حقل التعاون الاقتصادي المشترك، تساعد على قيام السوق الإسلامية المشتركة؛ لأنها العناصر الفعالة التي ستمد السوق بخبراتها وثمرات نشاطاتها.

       وهناك مؤسسات تعاونية متعددة النشاطات تعمل في غالبيتها في المجالات الاقتصادية ومن أبرزها:

       - مجلس محافظي الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي .

       - الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية .

       - صندوق أبو ظبي للإنماء الاقتصادي .

       - اللجنة السعودية التركية المشتركة .

       - الصندوق السعودي للتنمية .

       وهذه وأمثالها من المؤسسات ذات الطابع التعاوني ستكون عونًا للدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي – كما هي في واقعها الحاضر – ودعامات كبرى في مختلف المجالات التنموية التي تتطلبها منطلقات السوق الإسلامية المشتركة .

 

*  *  *

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الأول – ربيع الثاني 1427هـ = أبريل – مايو 2006م ، العـدد : 3–4 ، السنـة : 30.